يرى سيمون تيسدال، كاتب الشؤون الخارجية في الجارديان، أن إعلان دونالد ترامب انتهاء الحرب على غزة لا يعكس الحقيقة، لأن الاحتلال الإسرائيلي ما زال مستمرًا، والقتل والتجويع والدمار ما زالت صورًا يومية في القطاع والضفة الغربية. منذ بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، قتلت القوات الإسرائيلية نحو مئة فلسطيني وأصابت المئات، فيما تواصل منع وصول المساعدات الغذائية بشكل كافٍ، بينما يبقى نزع سلاح فصائل المقاومة بعيدًا عن التنفيذ، ولا يزال الأمن والحكم وإعادة الإعمار رهينة خطط غامضة وضعها الأمريكيون.
ويرى الكاتب أن جذور الحرب – أي إنكار السيادة الفلسطينية – لم تُمس بعد، ما يعني أن الصراع سيعود عاجلًا أو آجلًا.
أما الجارديان فتنقل عن الكاتب دعوته إلى مرحلة "العدالة بعد الحرب"، مؤكدًا أن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون محاسبة حقيقية عن جرائم الحرب التي ارتُكبت منذ 7 أكتوبر 2023. يقول إن محاكمات جنائية دولية ضرورية لإنهاء الإفلات من العقاب، مشيرًا إلى أن "الإبادة الجماعية لا يجوز أن تمر بلا عقاب". لكنه ينتقد تجاهل خطة ترامب للسلام – التي وصفها بـ"التاريخية" – لأي إشارة إلى التحقيق أو العدالة، كما يهاجم صمت الساسة في أوروبا والعالم العربي عن الجرائم الإسرائيلية، ويرى أن هذا الصمت يعكس تورط حكوماتهم أو ضعف تأثيرهم.
يطرح الكاتب مقارنة مع تجارب العدالة الانتقالية في سيراليون ورواندا وجنوب أفريقيا، معتبرًا أن النظر إلى الوراء لا يعرقل السلام بل يمهّد له. ويطالب بمحاكمة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت، اللذين وُجِّهت إليهما اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما يشير إلى ضرورة التحقيق مع وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى جانب قادة حماس الباقين. ويرى أن على إسرائيل تسليم المتهمين أو مواجهة عقوبات قاسية.
يتوسع تيسدال في إدانة الجيش الإسرائيلي، مؤكدًا أن ما ارتكبه من استهداف متعمد للمدنيين شوّه صورة إسرائيل عالميًا. ويقول إن نسبة القتلى المدنيين إلى المقاتلين في غزة تكشف انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مطالبًا بتحقيق دولي مستقل يمكن أن يبرئ الجيش الإسرائيلي إن كان بريئًا فعلًا. ويضيف أن حماس بدورها مطالبة بالمحاسبة على جرائمها. ويورد الكاتب أمثلة حديثة على جرائم الحرب: إعدام 15 مسعفًا فلسطينيًا في مارس، مقتل الصحفية فاطمة حسونة وعائلتها في غارة على غزة، وإطلاق النار على مدنيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية في يونيو.
ويشير إلى أن الأمم المتحدة وعدة دول ومنظمات حقوقية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، رغم نفيها، وأن المحكمة الدولية في لاهاي أقرت في يناير 2024 بوجود "خطر ملموس للإبادة"، لكن الحكم النهائي قد يتأخر حتى عام 2028، وهو تأخير يصفه الكاتب بأنه "غير مقبول"، خاصة أن المحكمة لا تملك سلطة تنفيذ قراراتها.
لذلك يدعو تيسدال إلى إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة بغزة تحت رعاية الأمم المتحدة، على غرار محكمتي يوغوسلافيا ورواندا، لتقصي الجرائم من الجانبين – الإسرائيلي والفلسطيني – بما فيها قتل المدنيين وسوء معاملة الأسرى والرهائن. ويطالب بأن تشمل التحقيقات دور القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى الدول التي زودت إسرائيل بالسلاح رغم القيود، ومنها بريطانيا. ويرى أن فتح غزة فورًا أمام المحققين والصحفيين الدوليين خطوة أساسية نحو العدالة.
لكن المثير أن تيسدال، رغم نبرته الحقوقية، لا يتناول بوضوح الدور الغربي في استمرار المأساة، ولا يسائل المنظومة الدولية التي سمحت بوقوع الإبادة. يظهر في مقاله ميل واضح إلى تقديم الجرائم الإسرائيلية والجرائم الفلسطينية في ميزان واحد، وكأن الاحتلال والمقاومة متكافئان أخلاقيًا. كما يغفل الحديث عن أن الولايات المتحدة – التي يدعوها للمشاركة في التحقيق – هي الطرف الذي وفّر الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل طيلة الحرب.
وفي نهاية مقاله، يؤكد الكاتب أن إنشاء محكمة دولية مستقلة هو "الدواء الوحيد" لتضميد جراح غزة ومنع تكرار المأساة. لكنه يتحدث بنبرة أقرب إلى التمني، دون أن يطرح رؤية حقيقية لكيفية كسر إرادة القوى الكبرى التي عطّلت العدالة لعقود. بذلك يظل مقاله، رغم لغته الإنسانية، أسيرًا للمنظور الغربي الذي يساوي بين الضحية والجلاد، ويفترض أن العدالة يمكن أن تولد من داخل نفس المنظومة التي باركت الحرب وأطالت أمدها.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/26/gaza-war-truth-justice-ceasefire-international-tribunal

